ما زالت السينما الاسرائيلية مجهولة وإلى حد كبير عند الجمهور العربي. فقوانين الرقابة العربية، والتي بدأت مع بدايات الصراع العربي الإسرائيلي وتمنع أي عروض او ترويج للسينما الإسرائيلية، ما زالت فعالة جدًا في كل الدول العربية، وحتى في الدول التي تملك ومنذ سنوات علاقات رسمية في الدولة الاسرائيلية، تقاطع المؤسسات الثقافية فيها، كل النتاجات الإسرائيلية الثقافية، ومن ضمنها السينما.
وعلى الرغم من مرونة بعض المؤسسات الاعلامية العربية، في التغطية المحايدة للسينما الإسرائيلية في السنوات العشر الاخيرة، إلا ان الاخيرة ، كانت "بطلة" مجموعة من الازمات في بعض المهرجانات السينمائية العربية ، والتي كانت تخطط لعرض افلام اسرائيلية منتقاة بعناية، الامر الذي اشعل النقاش "الأخلاقي" القديم ، عرض افلام اسرائيلية (حتى لو كانت شديدة النقد لسياسات الدول العبرية) ، في الوقت الذي ما زال الفلسطينيون يسعون لنيل حقوقهم في دولة مستقلة وحياة طبيعية، وبأن سياسية "العزل" الثقافي لكل شيء قادم من اسرائيل يجب ان تستمر حتى ينال الفلسطينيون ما يسعون إليه منذ أكثر من ستين عامًا.
من الفيلم الأسرائيلي"Fucking Different Tel Aviv"
تاريخ السينما الإسرائيلية، منذ بداياتها في عام 1932 الى عام 2007 ، هو موضوع أحد الأفلام الاسرائيلية التسجيلية الطويلة، والذي يخصص اكثر من ثلاث ساعات ونصف للحديث عن البدايات والرواد. الفيلم الذي يعرض ضمن برنامج "فورم" في الدورة التاسعة والخمسين من مهرجان برلين السينمائي، يقدم مقابلات مفصلة مع صناع السينما في اسرائيل ونقادها. ويحاول ان يقدم تطور السينما هناك، كأحد صور التفاعل الجدلي بين مكونات المجتمع الاسرائيلي المتنوع بشدة، وتأثره بالصراع العربي الإسرائيلي، وهو الصراع الذي يهيمن على معظم نتاجات السينما الاسرائيلية الجادة، ويعاد تقديمه بشكل دائم منذ بدايات الثمانينات حتى الوقت الحالي.
يقدم الفيلم التسجيلي الاسرائيلي "تاريخ السينما الاسرائيلية" ، مشاهد نادرة ، من بدايات السينما الاسرائيلية ، والتي كانت مرتبطة جدًا ، بالحركات السياسية الصهيونية ، فالأفلام الاولى البدائية الصنعة، ركزت كثيرًا على الترويج لمفاهيم "البلد المختار" ، اسرائيل ، والتاريخ اليهودي و"النفي" الطويل ، والذي انتهى مع وصول اليهود من اوروبا المدمرة بعد الحرب العالمية الثانية ، الى فلسطين . كذلك اهتمت الافلام الاولى الدعائية ، بتقديم الاثار النفسية للهولوكوست على اليهود الاوروبيين وغيرهم ، وكيف دفعتهم بالنهاية الى التوجه الى الشرق الاوسط ، والبحث عن مكان آمن.
وبسبب العمر القصير للمجتمع الاسرائيلي ، ارتبطت الافلام الاسرائيلية والتي انتجت في الخمسينات والستينات من القرن الماضي ، بصانعي افلام ، تلقوا دراستهم السينمائية في دول اوروبية مختلفة ، وكانوا متأثرين وقتها ببيئتهم التي قدموا منها، ولم تقدم تلك السينما اسرائيل والمجتمع هناك ، بالشكل الذي قدمته سينما الثمانينات ، والاثر الذي تركته إحتلال بيروت عام 1982 على جيل كامل من الشباب الاسرائيلي الذي اشترك في هذا الحرب .
بعض من افلام عقد الثمانينات وما بعده ، بدأ في تقديم العربي وللمرة الأولى، مجردًا من الصورة التقليدية السيئة ، والتي تقترب من الصورة الهوليوودية ، فالشخصيات الفلسطينية اخذت تصل الى الشاشة ، بهمومها وازماتها الخاصة، وحتى ببطولاتها، في افلام ، اعترف صانعو بعضها في الفيلم التسجيلي ، بانهم لن يستطيعوا أن يقدموا الصورة الايجابية نفسها للعربي في سينماتهم المعاصرة، بسبب تنامي مشاعر العداء للفلسطيني داخل المجتمع الاسرائيلي. وازدياد عقدة الصراع هناك.
ومن ضمن المتحدثين في الفيلم التسجيلي ، الممثل والناشط والمخرج الفلسطيني ، محمد بكري ، والذي لعب مجموعة من الادوار المهمة ، تحت ادارة مخرجين اسرائليين. بكري المطلع على تاريخ السينما الاسرائيلية ، تحدث عن صورة العربي الاولى في هذه السينما ، وهي الصورة التي اشتغلت عليها المؤسسة الرسمية ، قبل ان يبدأ جيل من الشباب الاسرائيلي اليساري والذي ولد معظمه في اسرائيل ، في الذهاب بعيدًا عن تلك الصورة النمطية ، وتقدم العربي كشريك في التاريخ والجغرافيا.
وعلى الرغم من أن الفيلم التسجيلي ، لم يتناول الاعمال السينمائية الاسرائيلية للسنتين الاخريتين ، وخاصة افلام مثل "زيارة الفرقة" ، شجرة ليمون" و "فالس مع بشير" ، لكنه قدم اعمال كثيرة مبكرة عن تلك الاعمال ،وربما اثرت على صناعة الافلام المذكورة ، وقدم ايضًا الظروف التاريخية لصناعة السينما في اسرائيل ، وكيف اتجهت بعض اعمال السينما الاسرائيلية ، الى الكثير من الصدق والمحاسبة ، والانسانية والتبرؤ من تاريخ الدولة السياسي.