إن كنت عراقيُ فتلك مصيبة
حقيقة ما جرى في المغرب
العراق ... مهرجان دولي .. العلم العراقي يرفرف في سماء مدينة لغتها الدارجة الاسبانية ... اعلام دول شتى .. الكويت .. قطر .. اسبانيا .. تونس .. سلطنة عمان .. البحرين .. المغرب .. واعلام اخرى .. عرض مسرحي عراقي بخمسة ممثلين وبلا دعم حقيقي يذكر .. سوى انها عزيمة واصرار و محاولة انتصار لذاتنا بعيدا عن المؤسساتية و الوزارات التي لا تفقه شيئا عن عملنا ولم تقدم لنا ابسط الاستحقاقات كوننا اولا عراقيين وثانياً فنانين ...
موظفين في الوزارة وُجدوا لكي يتحدثوا لساعات عن قوانين جائرة بالاحرى هي مضحكة .. ويتحججون بحجج واهية .. وعندما نكون امامهم يطبقون قانون حمورابي في طلبنا .. كيف تحاولون الانشقاق من وظائفكم وتقدمون عرضا مسرحية لورشة فضاء التمرين المستمر ؟؟؟ كيف تتعاملون مع منظمات خارجة عن انظمة دوائركم ؟
اصابني الذعر لوهلة واحسست اني في الامن العامة وان وزارة الثقافة هي مكتب لفرقة من حزب البعث وان ورشة فضاء التمرين هي احدى الاحزاب المعارضة للحزب الحاكم وان العام الذي نحن فيه هو 1991 بعد احداث الانتفاضة الشعبانية بايام ولكنني صرخت عندما تيقنت اننا في العام 2008 وطالبت بالديمقراطية والحرية التي هي معلنة على اليافطات الغير رسمية في ساحة الفردوس .. و بدا صوتي يعلو شيئا فشيئا على اصوات الموجودين في غرفة المفتش العام السيدة هناء و الحمد لله استوعبوا اخيرا انني اتكلم ضمن حدود وصلاحيات عام 2008 وليس عام 1991 .
وبالتالي خرجنا من الوزارة بخفي حنين .. ولكننا واصلنا اصرارنا للمشاركة و شاركنا على حسابنا الخاص وبدعم بسيط جدا من سيدات البرلمان العراقي صفية السهيل وميسون الدملوجي .. وساهمت الفنانة فائزة جاسم بمنح الوفد سلفة تسترد حين العودة ومنحنا السيد نبيل طاهر والسيد عدي عبد الرحمن سلفة تسترد ايضا حين العودة وساهم الفنان محمد هاشم مساهمة رائعة بمبالغ لتسديد اسعار التذاكر الباهظة .. ووصلنا .. وشاركنا .. وقدمنا عرضا مسرحيا يعكس معاناة الطفل العراقي واستقبل العرض بدعوات مهمة من الوفود المشاركة و للعلم فالوفد العراقي وصل في اليوم الثالث من ابتداء المهرجان وذلك لان اغلب الخطوط الجوية لا تمنح العراقي سمة الترانزيت لمدة عشر ساعات على اراضيها ومن ضمنها مصر وتونس وتركيا والامارات .. عكس ما شاهدنا مع الوفد القطري المشارك .. طائرة خاصة الى مدينة المهرجان التي تخلو من اي مطار .. وحجز فندق خاص على حساب دولتهم .. لا يوجد فرق كبير بيننا سوى اننا عراقيين ..
وفجاة بعد انتهاء المهرجان بساعات حدث امر مرعب ارعب كل الوفود المشاركة وارعبنا الا وهو اصابة الفنان العراقي سمير طالب بازمة صحية منعته من الحركة تماما ..
حاول الجميع ان يعرف السبب بلا جدوى .. اطباء .. مستشفى طواريء ولا جديد .. سافر معظم الوفود المشاركة بما ان المهرجان قد انتهى .. ما عدا الوفد العراقي الذي لم يسافر بسبب تذاكر الخطوط الجوية القطرية التي لم تؤكد حجز عودة الوفد العراقي وبهذا بات على الوفد العراقي انتظار المهرجان الى حين يؤكد الحجز النهائي وبما ان احد اعضاء الوفد مصاب بمرض لا نفقه منه شيئا صار لزاما علينا البقاء ..
وفعلا كان موقف المهرجان رائع ومشرف من حيث الحجز الفندقي وباقي المتعلقات بالاقامة والطعام و بالتنقل ..
وبما اننا عراقيين و صرنا في موقف لا يحسد عليه و مرض صديقنا المفاجيء الذي ادى به الى شلل رباعي كان لابد لنا من تبليغ السفارة العراقية الموقرة في المغرب وبما انني اشاهد الافلام الامريكية بكثرة فقد تاثرت بفلم امريكي يتحدث عن قصة مواطن امريكي متهم بجريمة قتل في الصين ويصل الى السفارة الامريكية بعد ملاحقة السلطات الصينينة و تطويق مبنى السفارة بالكامل .. و يصرخ المواطن الامريكي بوجه السفير طالبا اياه نقله الى امريكا باسرع وقت .. ويكون له ما يريد
وبهذا .. احسست بالفرح لانني ساكون مواطنا عراقيا يطلب حاجته الاولى من السفارة العراقية .. واتصلنا بهم .. وكلنا زهوا وفخرا امام اصدقائنا المغاربة بان السفارة سوف تتاثر و تعمل المستحيل من اجل صديقنا سمير .
وماهي الا لحظات ... وبدا الخوف يبدو على معالم وجوهنا ... السفارة العراقية .. بلدنا العراق تعتبر في غربتنا ... تنصلت عن تقديم اية مساعدة متحججة بكتاب رسمي من السيد هوشيار زيباري فحواه منع مساعدة اي وفد عراقي يصل الى السفارات العراقية في اي بلد كان ..
ضحكت قليلا .. ولكن هول الصدمة افقدني قواي .. تكلمت مع السيد المسؤول في السفارة بلغة اخرى .. نحن لسنا بحاجة الى اية مساعدة .. نريد ابلاغكم ان وضعنا هكذا وهكذا .. ونريد منكم الاهتمام بمواطن عراقي اصيب بمرض مفاجيء كل ماعليكم عمله تقديم حجز عودتنا الى العراق بما انكم جهة رسمية رفيعة المستوى في المغرب فباستطاعتكم ان تصنعوا المستحيل من اجل عودتنا وعودة الفنان سمير لعائلته ... فرد السيد المسؤول ببرود و استرخاء لا مثيل له .. اسف لا استطيع المساعدة بشيء فلا املك شيء هنا سوى هذا الكرسي الذي اجلس عليه ..
فسالته عن مصداقية كتاب السيد وزير الخارجية فقال لي انه امر بعدم دعم ومساعدة اي وفد عراقي .. وكعادتي في التسرع بالكلام ... قلت له يا اخي اعتبرنا اسرائيليين وساعدنا بتقديم الحجز ... لا تعتبرنا عراقيين ان كانت المشكلة بكوننا عراقيين .
واغلقنا الهاتف ولم نتكلم ابدا سوى بالدموع .. اين اخطانا نحن في كوننا عراقيين .. اين المشكلة في ان نكون عراقيين ..
وبما انني لدي علاقة طيبة بالسيد الوكيل جابر الجابري ( وكيل اقدم لوزارة الثقافة العراقية ) اجريت الاتصالات ليقدم لنا يد العون في عودة سمير طالب فقط الى عائلته ولكن اتضح لي انه لا يستطيع ان يقدم لنا شيئا هو الاخر وبرر ذلك بان السفارة هي المسؤولة الوحيدة عن ما يجري .. واغلق الهاتف هو الاخر واغلقت معه كل احلامي الكاذبة بعراق جميل يزهو رغم الجراح .. ولكنني عذرته مؤخرا .. لم يستطع ان يقدم لنا شيء لانه مشغول بالاسابيع العراقية وسفرياته المزدحمة خارج ارض العراق
ورجعنا الى المستشفى حيث يرقد صديقنا سمير وابلغناه بكل ما جرى مع السفارة فلم يتكلم .. اجابنا بدموع صامته .. ولم نجبه سوى ببكاء مر ..
اليوم التالي .. اتصال من السفارة العراقية مفاجيء .. ابلغونا بارسال سيارة الى المدينة التي نقيم بها .. ومبلغ من المال لمصاريف المستشفيات
وصلت السيارة .. وصل المبلغ .. نقلنا سمير الى مستشفى اخر كنت اعتقد ان المستشفى عندها علم من السفارة بحالة المريض .. ولكن للاسف سائق سيارة السفارة اوصلنا الى اقرب مشفى وجده في طريقه ..
وغادر الى الرباط مباشرة كي ينهي هذا المشوار السيء بنظره
المستشفى.. لا استطيع تسميته مستشفى .. كانه قصر هجره الاباطرة بعد نكبة كبرى وجدنا الطبيب بالصدفة .. فرحنا كثيرا به .. وركزنا كثيرا على فمه وهو يتكلم كلمة عربية وعشر كلمات اسبانية وخمسة عشر كلمة فرنسية ... رجوناه ان يصف لنا مرض صديقنا باللغة العربية .. لا جدوى .. طلب منا نقله الى الفحوصات
ومن فحص الى فحص الى فحص اخر ... مبلغ السفارة العراقية المحترمة هو الفان درهم اي ما يقارب مائتان وثمانون دولار ..
كلفة الفحوصات من اول يوم في المشفى الى اخر يوم مع العلاجات و الحقن والمغذيات تعدى الثمان مائة دولار
ولا اتصال من السفارة ولا سؤال
السيد عبد الاله فؤاد مدير المهرجان والسيد منير الطائي العراقي الاصل ممول المهرجان كانوا بالنسبة لنا كعائلة حنونة ... تواصلوا معنا بشدة
وبفضل المهرجان تم تقريب الحجز في الخطوط القطرية وتم تقرير موعد السفر يوم 20 تموز ... واجرينا كافة التفاصيل وقمنا باتصالات ضرورية طلبها منا الطبيب المشرف على حالة سمير مع الخطوط القطرية وسالناهم حول وجود طبيب خاص بالطائرة ؟؟ وابلغتنا الخطوط بان الطبيب موجود بالطائرة وعلى كل الرحلات
ووصلنا المطار في الساعة السادسة صباحا .. واكملنا اجراءات شحن الحقائب وما الى ذلك ومعنا سمير بعربة المعوقين نتنقل به من مكان الى مكان كما يطلب منا هو و ادخلونا اول شيء بما اننا نحمل معنا حالة طارئة .. وبدات الرحلة المشؤومة وفجاءة وبلا سابق انذار ابلغنا كابتن الرحلة اننا فوق الاجواء الليبية وسيكون هبوطنا لمدة ساعة وذلك لوجود راكبين جدد معنا من ليبيا ... تم الهبوط بسلام .. ثلاث دقائق وبدا سمير طالب يعاني من وضعه المربك .. ساعدناه .. حاولنا حمله .. لا فائدة .. فارقنا وهو ينظر الينا بحسرة والم ..
لم يكن بيدنا شيء نقدمه له ... عذرا يا سيمر .. انت تعلم باننا عراقيين .. وما جرى امام عينيك البريئتين .. كان لابد منه ان يقتلك الما ً وحسرة ...
شكرا للسيد حكمت داوود على مواقفه الغير مشرفة مع الوفد العراقي في المغرب بما انه القائم بالاعمال في السفارة العراقية او ما اشبه ذلك
شكرا للسيد جابر الجابري على تنصله الرائع والشهم بما انه كان السلطة العليا في وقت الحادثة بوزارة الثقافة العراقية
شكرا لاصدقائنا الرائعين في دائرة السينما والمسرح اللذين تواصلوا معنا وبشكل يومي .. حاتم عودة و محمد عبد الله توفيق وماجد لفته وبشرى اسماعيل و نظير جواد والدكتورة اقبال نعيم
{وللبعض الاخر} شكرا كثيرا لانهم تصوروا اننا نكذب في قضية مرض سمير واردنا ان نغير جو في بقائنا فترة اطول في المغرب .. شكرا لصديقي الرائع الذي قال لي على الانترنيت وبصريح العبارة يا مهند يقال انه فلم رواه البخاري
يا صديقي ان البخاري لم يرو فلماً اسوا من علاقاتنا المزيفة مع بعضنا البعض
شكرا للجميع